رغم بداياتها المتواضعة، منذ نهاية النصف الأول من القرن الماضي، شهدت مبيعات مشروبات الطاقة تزايداً مضطرداً عاماً بعد عام، وبالتحديد منذ عام 2001، والذي أصبحت المبيعات بعده تزداد بمقدار 50 في المئة سنوياً، لتبلغ حالياً حوالي 13 مليار دولار (48 مليار درهم). ويرد هذا النجاح -إنْ صح التعبير- إلى تغير طبيعة المستهلك الرئيسي لمشروبات الطاقة حالياً، والذي يتميز بصغر سنه، وانتمائه لجنس الذكور. حيث تظهر إحصائيات المستهلكين، أن 66 في المئة من زبائن مشروبات الطاقة، أي الثلثين تقريباً، تتراوح أعمارهم ما بين الثالثة عشرة والخامسة والثلاثين، كما يشكل الذكور نسبة 65 في المئة منهم. وهو ما يعني أن ثلثي زبائن مشروبات الطاقة حالياً، هم من الذكور، المراهقين والشباب. ولكن في ظل اتساع نطاق سوق هذا النوع من المشروبات، وبالتحديد في الفئة العمرية الصغيرة، تزايدت المخاوف من تأثيراتها الصحية السلبية، وخصوصاً على الأطفال. هذه المخاوف أكدتها هذا الأسبوع، دراسة قام بها علماء جامعة «بون» بألمانيا، وعرضت نتائجها في المؤتمر الأخير لجمعية التصوير الإشعاعي بأميركا الشمالية. وأظهرت هذه الدراسة، أن تناول مشروب يحتوي على 32 مليجرام من مادة الكافيين لكل 100 مليليتر، و400 مليجرام من مادة «التيورين» لكل 100 مليليتر، وهما من المواد الأساسية في معظم مشروبات الطاقة، كان له تأثير بالغ على قوة انقباض عضلة البطين الأيسر في القلب، والمسؤول عن ضخ الدم حول الجسم. مثل هذا التأثير قد يكون له عواقب صحية خطيرة، وخصوصاً على قلوب الصغار، وعلى قلوب المصابين بأمراض في القلب، لدرجة قد تؤدي أحياناً للوفاة.
وإن كان الكافيين، وبالتحديد الجرعات الهائلة منه، وخصوصاً إذا ما تناول الشخص لعدة زجاجات من مشروبات الطاقة، هو السبب الرئيسي للمخاوف الصحية التي ترتبط بهذه المنتجات. حيث يؤدي تناول الكافيين إلى زيادة إفراز هرمون الأدرينالين، والمسؤول عن زيادة ضربات القلب، ورفع ضغط الدم، وزيادة تدفق الدم للعضلات، وخفض تدفقه للجلد والأعضاء الداخلية، وزيادة إطلاق السكر من الكبد. ويؤثر الكافيين على وظائف الجهاز العصبي بشكل ملحوظ، مما يزيد من درجة اليقظة والإدراك والقدرة على أداء المهمات الذهنية، ولكن في الجرعات الزائدة، يؤدي الكافيين إلى التوتر والارتباك، والعدوانية، والقلق. وفي حالات التسمم بجرعات زائدة يمكن أن يصاب المريض بنوبات تشنج.
ورغم أن غالبيتنا تحصل علي جرعتها اليومية من الكافيين من خلال مصادر طبيعية، في شكل فنجان من القهوة أو كوب من الشاي، إلا أنه يظل حسب التصنيف الطبي عقاراً، لما له من آثار فسيولوجية وبيولوجية على خلايا وأنسجة وأعضاء وأجهزة الجسد. هذه الآثار تظهر أكثر ما تظهر على الأطفال، بسبب صغر حجمهم ووزنهم. فمئة مليجرام من الكافيين لطفل وزنه ثلاثون كيلوجراماً، تعادل أربعمائة مليجرام لبالغ وزنه مئة وعشرون كيلوجراماً. فما بالك بتأثير مقادير الكافيين الموجودة في مشروبات الطاقة على أجساد هؤلاء الصغار، في الوقت الذي تعتبر فيه هذه المقادير من الأساس، جرعات هائلة بالنسبة للكبار والبالغين.
وفي النهاية سنكتفي هنا بذكر نص التحذير المكتوب على إحدى علب مشروبات الطاقة الشهيرة والمنتشرة على أرفف البقالات ومحال السوبر ماركت، والذي ينص على: (استهلاك أكثر من علبتين في يوم واحد، قد يكون ضاراً لصحتك. ولا يجب استهلاك هذا المنتج من قبل النساء الحوامل، أو المرضعات، أو الأطفال دون سن السادسة عشرة، أو الأشخاص المصابين بأمراض القلب، أو ارتفاع ضغط الدم، أو السكري، أو المصابين بحساسية للكافيين، أو من قبل الرياضيين خلال التدريبات أو خلال المنافسة). لغة هذا التحذير، ونطاق محظوراته، أشد وأوسع نطاقاً، من التحذيرات التي قد تجدها على العديد من الأدوية والعقاقير الطبية، التي تباع في الصيدليات، وبعد خضوعها لدراسات علمية وأبحاث مستفيضة حول مدى سلامتها وأمنها، وهو ما لا ينطبق على مشروبات الطاقة.
د. أكمل عبد الحكيم
المصدر :
جريدة الإتحاد - 05 ديسمبر 2013
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق