الاثنين، 20 أبريل 2020

تاريخ فايروس كورونا


انتشرت العديد من الأوبئة في العقد الأخير، أي في الفترة من 2010 ولغاية العام 2020، مثل الكوليرا والتي انتشرت في هايتي 2010 وكان أبرزها أنواع جديدة من الإنفلونزا، مثل كورونا الشرق الأوسط وإنفلونزا الخنازير، وسبقهما في العقد السابق إنفلونزا الطيور 2003 وسبقه فيروس سارس  2002وتفشت في العقد الأخير أيضا أوبئة أخرى، لعل أكثرها خطورة كان فيروس إيبولا 2013، الذي انتشر في عدد من الدول الأفريقية، وفيروس زيكا الذي انتشر في أميركا الجنوبية.



وفايروس كورونا الذي ليس أول مرة يضرب البشرية بل في الحقيقة هذه ثالث مرة وهو أحد الفيروسات التي تهاجم الجهاز التنفسي للإنسان ومن خلال الدراسات التي تم جمعها تم اكتشاف بعض إصابات بالقلب والكبد والجهاز الهضمي والإسهال أي أنه لا يقتصر الفايروس على إصابة الرئتين رغم أنها الواجهة الرئيسية للفايروس والذي يؤدي للوفاة عادة هو الخلل بالرئتين سواء أكانت الإصابة بالفايروس لوحده أم مع جرثومة أخرى.
أول تفشي لفايروس كورونا كان في العام 2002 والذي تمثلت الجائحة في وباء السارس أو مايعرف ب المتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة  Sever Acute Respiratory Syndrome  وتأثيره كان على الحويصلات الرئوية التي تدخل الأكسجين حيث أنه يدمرها بالتالي يختنق الإنسان. أصاب السارس 8 آلاف من البشر وبدأ أيضا ً في الصين حيث بلغ عدد الإصابات فيها ل 5327 وعدد الوفيات 349 ونسبة الوفيات بالمئوية كانت 7 أي 7% وفيات. وكورونا الحالي بالصين وصلت نسبة الوفيات ل 4.1 % وانتشر السارس أيضا ل 29 دولة وكانت نسبة الإصابات حوالي 2769 حالة إصابة ونسبة الوفيات خارج الصين كانت %16.4  .
الجائحة الثانية لفايروس كورونا كانت في العام 2012 وسمي ب MERS اختصارا ً لـ  Middle East Respiratory Syndrome متلازمة الشرق الأوسط التنفسية وسبب التسمية بالطبع أولا ً لانتشارها في الوطن العربي حيث كان ظهور أول حالة مصابة ب ميرس بالسعودية  ومن ثم انتشرت إلى دول أخرى خارج وداخل الشرق الأوسط ولذا سمي بفيروس متلازمة الشرق الأوسط التنفسية ، ووصلت الحالات المصابة بالسعودية فقط لـ 1030 حالة ونسبة الوفيات 44 % وبقية الحالات بالعالم وصلت إلى 300 حالة بين دول داخل الشرق الأوسط ومنها السعودية والإمارات وإيران وسلطنة عمان والأردن ومصر والجزائر وتونس ودول خارج الشرق الأسط ومنها كوريا الجنوبية وماليزيا وإندونيسيا والفلبين وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا وإسبانيا واليونان وأمريكا الشمالية.
فايروس كورونا الأول أصاب 29 دولة ، بداية ظهوره كانت الصين ، فايروس كورونا الثاني أصاب 25 دولة وبدأ في السعودية ، وفايروس كورونا الثالث وهو مانواجهه الآن كوفيد 19 والذي تم اكتشافه في 18 ديسمبر 2019 وبدأ ظهوره في الصين. 
السؤال الذي يطرح نفسه لماذا لم يتوقع العلماء ظهور فايروس كورونا وللمرة الثالثة بعد أن ظهوره المرات الأولى ولم لم يتوقعوا أن يكون كارثيا ً؟ أين الخطأ.
من خلال مراجعاتي حول فايروس كورونا خصوصا ً كورونا الأول والثالث أي فيروس جائحة 2002 وفيروس جائحة 2020 لاحظت التشابه الكبير بينهما من حيث أولا ً استهدافه لحويصلات التنفس بالرئة وظهور الحمى وهي أحد الأعراض وتتميز بكونها العرض الرئيسي ثم السعال الجاف كعرض ثانوي  ثم التعب و آلام العضلات كعرض ثالث وضيق النفس أيضا ً كما أنه عند عمل التصوير الطبقي المحوري تظهر مناطق عاتمة في رئتي المصابين.
من خلال التشابه الكبير الذي تلاحظه بين الجائحتين من حيث مصدر العدوى وتشابه أعراضهما تلاحظ أنك أمام سيناريو متكرر ومن هنا تدرك أن اتجاه العلماء وقتها كان مابين إيجاد لقاح او علاج، اللقاح لغير المصابين والعلاج للمصابين بينما الحقيقة أن علاج المشكلة يكون بعلاج السبب وليس الاعراض. 
وبالتأكيد لن يكون كوفيد 19 نهاية البشرية لأنه رغم عدد الوفيات التي نراها كل يوم إلا أنها تبقى معدلات صغيرة مقارنة بالأرقام في العصور الوسطي والقديمة. كما أن كوفيد 19 لن يكون آخر الفيروسات أو المسببات للأوبئة، إلا أنه مع نمو الاقتصادات تتحسن أساليب النظافة الأساسية ويتقدم مستوى الرعاية الصحية وأصبحت الأدوية أفضل وبإمكان الناس الحصول عليها وعلى الرغم من أن نظام الاستجابة العالمي ليس مثالياً إلا أنه يوجد تقدم كبير في اكتشاف الأمراض والحد من انتشارها.

الثلاثاء، 14 أبريل 2020

الأوبئة عبر التاريخ


الوباء ليس بموضوع جديد على العالم في العصرالحديث فقد فتكت بالعالم أوبئة منذ القدم وأودت بحياة الملايين من البشر ولا يكاد أحد منا لا يعرف عن الموت الأسود أو الطاعون والذي أتى على أوروبا وأفنى حياة مئات الملايين من الناس والحقيقة أن الأوبئة مازالت موجودة حتى يومنا هذا.
انتشر الطاعون  منذ القدم وحصد ملايين الأرواح، وفي زمن الفتوحات الإسلامية انتشر في بلاد الشام وراح ضحيته الآلاف من المجاهدين المسلمين في مقدمتهم القائد "أبو عبيدة عامر بن الجراح" وكان الطاعون السبب الذي أودى بحياة ملك فرنسا "لويس التاسع" وللطاعون أيضا ً مسميات كالطاعون الأنطوني وطاعون جستنيان والطاعون الأسود وطاعون لندن العظيم وطاعون مدينة مرسيليا الفرنسية العظيم وطاعون منشوريا ، وكان المسبب له هو بكتيريا عصوية تسمى ب Yersinia pests .
وكل مايحدث من أوبئة تسببها كائنات دقيقة لا ترى بعين الإنسان ولا يدركها وذلك لأن تردد الأشياء إما يكون أقل من 400 انجستروم أو أعلى من 700 انجستروم لأن عين الإنسان تستطيع أن ترى بين هذا المجال مابين 400 – 700 انجستروم، أو لا تستطيع عين الإنسان إدراكها لتناهيها ودقتها في الصغر. و ما لا تبصره عين الإنسان عالم كبير جدا ً.
وفي العصر الحديث انتشرت عدة أوبئة منها الحمى الصفراء، الكوليرا، إيبولا، الإيدز، انفلونزا الخنازير، انفلونزا الطيور، والانفلونزا الإسبانية  حيث سببت الجائحة التي انتشرت في عام 1918 والمسبب لهذه الإنفلونزا كان فايروس H1N1 .
تفشت الإنفلونزا الإسبانية في أوروبا في نهاية الحرب العالمية الأولى حيث عاد الجنود إلى مواطنهم جالبين معهم الفيروس لمجتمعات لم تأخذ أي احتياطات. ورغم انتشار هذا الوباء في زمن ما قبل السفر جوا ً كان الوباء قد انتشر إلى جميع أنحاء العالم تقريبا ًخلال ستة إلى تسعة أشهر.
أصابت هذا الجائحة ثلث البشرية مما يعني 500 مليون انسان مصاب في ذلك الوقت ونسبة الوفيات كانت بين 10 إلى 20 % يعني 50 مليون انسان قتل بسبب هذا الفايروس هذا في حال كانت نسبة الوفيات 10 % لأن الدراسات اختلفت في تحديد النسبة بالضبط لكن اتفقت أنها ما بين 10 و20 بالمائة وذلك يعني انه 100 مليون حالة وفاة في عام 1918 في حال كانت نسبة الوفيات 20%. 
تميزت جائحة الإنفلونزا الإسبانية أنها كانت تصيب الأطفال تحت ال 5 سنوات والمسنين فوق 65 عام. وأيضا لاحظ العلماء أنه فيه نسبة وفيات بين فئة من الشباب تترواح أعمارهم بين 20 – 40 كما هو الحال مع وباء كورونا الحالي.
لذلك مُثلت الجائحة بحرف W  أي فيه قمة عالية عند الأطفال وقمة عالية عند كبار السن وقمة عالية والتي هي بالوسط فئة الشباب الذين أعمارهم بين 20 و 40 عام. أي الذين بين 40 و 65 سنة كانت إصابتهم قليلة والذين أعمارهم مافوق 5 إلى 20 سنة أيضا ً كانت إصابتهم قليلة. 


السؤال هنا هو لماذا فئة الشباب أصيبت في هذه الجائحة (جائحة 1918- الإنفلونزا الأسبانية) حيث أنه من المعروف أن الأطفال دون ال 5 سنوات وكبار السن لديهم مناعة ضعيفة.
أجابت أحد الأبحاث على هذا السؤال والتي تقول أن هذا الفايروس يسبب خللا ً في السايتوكينات  أي حاثات الخلايا (الخلايا المناعية) حيث أن ( سايتو – خلية – كين – حاث ). مثلا لدينا المركب الانترفيرون وهو لديه عدة أنواع الفا وبيتا وجاما، وظيفة هذه المركبات تحث الخلايا المناعية على الاستجابة المناعية.
لوحظ أن فايروس الإنفلونزا الأسبانية H1N1 يحدث خلل في السايتوكينات مما يحدث خلل في النظام المناعي وبالتالي يحدث ما يسمى بـ ( Super Infection  ) وهي عبارة عن إصابة أو عدوى بكتيرية ترافق الإصابة بفيروس الإنفلونزا الأسبانية. ووُجد أن ثلث الوفيات والتي تراوحت إجمالا ً في ذلك الوقت مابين 50 مليون إلى 100 مليون  كان السبب الرئيس للوفيات في فئة الشباب كان بسبب العدوى الثانوية أي العدوى الجرثومية والتي كان مسببها بكتيريا ال Streptococcus pneumonia وهي ما تعرف باسم المكورات العقدية الرئوية وهي التي تسبب ذات الرئة ( التهاب رئوي). أي كانت الرئة مكان تجمع الفايروس والجرثومة.
مع تطور الطب ومجال الرعاية الصحية ووسائل نشر المعلومات والتثقيف في عصرنا الحديث أصبحت معدلات الشفاء من الأمراض والأوبئة أفضل بكثير مقارنة بخطورة تفشي الأوبئة في العصور الوسطى، ومما يجعل من فايروس الوباء الحالي خطرا ًهو معدل سرعة انتشاره، فهو ينتشر في العالم كالنار تنتشر في الهشيم وبالتزامنا بالإجراءات الوقائية والاحترازية سوف ننتهي من هذ الأزمة بوقت أقصر من المتوقع بإذن الله.